المزاجية ونظرية القرد والطاقية
بصفتي موظفًا يُنتظر منه أن يكون خلّاقًا، أحرص في كلّ مهمة أن أقدّم أكثر من خيار للنّص أو الفكرة المطلوبة.
دعني أعترف. ثلاثة من كل خمسة صباحات أستيقظها وأنا أشعر برغبة في الغياب عن العمل؛ بسبب تساؤلات تراودني حيال جدوى الاعتماد على الوظيفة والاستمرار في بيع الوقت. خصوصًا إذا سبق هذا الاستيقاظ تصفّحٌ ليليّ لـ«ثريدات» تويتر التي تخبرني أنّ الملايين تبعد عنّي مسافة عشر تغريدات تعلّمني كيف أستثمر لأصبح ثريًّا.
هذه الحالة الصباحية تندرج تحت واحد من أشهر عيوبي «المزاجية»، على الرغم من كونها الحالة التي أعتمد عليها في خلق الأفكار أو كتابتها ونقدها. إلا أنّ السّنن الكونية -وقوانين العمل أيضًا- تشير إلى أنّني سأُفصل من وظيفتي لو رضخت لمزاجيّتي عدّة أيام.
بصفتي موظفًا يُنتظر منه أن يكون خلّاقًا، أحرص في كلّ مهمة أن أقدّم أكثر من خيار للنّص أو الفكرة المطلوبة؛ محاوِلًا تطبيق نظرية «القرد والطاقية». وهذه النظرية تعلّمتها من أسطورة تنتهي أحداثها بتقديم القرد تفاحتين خضراء وحمراء كي يقطع الطريق على الذئب «المستقعد» لهفواته العديدة مثل أن ينسى ارتداء الطاقية.
«كلها مو مناسبة:)» هذه الجملة كانت صادمة في البدايات. كيف يمكن أن أجتهد وأفكّر ويتصبّب قلمي عرقًا لتقديم فكرتين -أو تفّاحتين على طريقة صديقي القرد- ثم أكتشف أنّ «كلها مو مناسبة»؟
مديري ليس ذئبًا، وأنا -بالتأكيد- لستُ قردًا لا يضع الطاقيّة. كلّ ما في الأمر أنّ مزاجي الإبداعي حين خطرت لي الفكرة كان متعكّرًا، وربّما مزاج الآخر لم يكن في أفضل حالاته، فلم يجد في التّفاح الذي جلبته من مزرعة الأفكار ما يُرضي ذائقته.
مرّت الأيام وصار واجبًا عليّ تقييم عمل زملائي في الفريق والتصريح بنقد أفكارهم. في كلّ مرّة أذكّر نفسي قبل الإدلاء بأيّ تعليق: هل أنت بحالة مزاجية تؤثر في تقييمك للفكرة؟ ولدى شكّي لحظة في احتمالية تأثير حالتي المزاجية في الحكم على مجهودهم أؤجّل النّظر إلى وقتٍ لاحق، أو أتناول قطعة من البقلاوة الكفيلة بتحسين مزاجي بمقدار خمس درجات بمقياس «أختر»، (وأختر هذا هو صاحب أشهر بقالة لبيع المفرّحات في حارتنا القديمة.)
بالعودة إلى معضلة المزاجية، فالأمر معقّد والسؤال يتفرّع إلى أسئلة متعدّدة. مَن يحدّد الفكرة الإبداعية من التقليدية؟ وكيف يفعل ذلك؟ وهل لمزاجه علاقة بالأمر؟ وهل يتعامل الناس مع تقييم أدائي للمهام بمزاجيةٍ تشبه مزاجيّتي في إتقانها من عدمه؟ وهل أتعامل بمزاجيّة مع النقد الذي يأتيني محمّلًا بمزاجيةٍ محتملة، على عملٍ أدّيته بمزاجيةٍ محتملة؟ أرجو أن تكون فكرة هذه العبارة وصلت دون الحاجة إلى إعادة صياغتها، وربّما يُطلب منّي إعادة صياغتها… الأمر يعتمد على الحالة المزاجية التي سيقرأها فيها رئيس التحرير.
يقول بولمان سبارك:
إنّ كلّ حالة إبداعية تحدث متزامنة مع حالة مزاجية عالية، وليس كل حالة مزاجية عالية تنتج إبداعًا بالضرورة.
فهل تتفق معه؟
ابق قريبًا من فريق ثمانية، آخر أخبارنا وكواليسنا وتدويناتنا في رسالة خاصة وسرّية جدًا، تصلك في كل أسبوع.