جينوم: بين المحتوى العلمي والأزمة الأخلاقية

طيلة سنتين إلا عدة أشهر، و«جينوم» موجودٌ دومًا في عقلي. تنقّلت بين مشاريع مختلفة، وظلَّ «جينوم» حاضرًا في حديثي مع الناس.

لطالما كان شرح المعلومات أمرًا أستمتع به، لا سيما إن كان الموضوع معقدًا ومليئًا بالمفاهيم المجردة. وفي 16 ديسمبر 2020 قادني القدر إلى مبتغاي. كان أول يوم عمل لي في ثمانية، وكذلك، أول يوم عمل لي في سلسلة «جينوم».

فور اقتراح أسيل باعبدالله العمل في «جينوم» تملكني الحماس، مغلّفًا بالتشكيك في مدى أهليّتي لمشروع بهذا الحجم: ستة أفلام وثائقية. تشرح هذه الأفلام الستة ما يحدث داخل الجينات، وكل فلمٍ منها مرتبطٌ بمجتمعنا المحلي.

توالت الاجتماعات مع المختصين وغيرهم لتحديد أهم ستة مواضيع يحتاج الناس في مجتمعنا إلى فهمها، ولنا القدرة في شرحها وإزالة الهالة الأكاديمية عنها. هذه المهمة لم تكن بالسهلة أبدًا؛ فالنقاش مع دكاترة الجينات يتطلب مني أصلًا فهم ما أناقشه. وانتهى بي الأمر بين أوراق علمية جينية، أحاول فهم ما يدور فيها بكل حماس، وأيضًا بشك.

بعد أربعة أشهر، انتهت مرحلة البحث وتحديد توجّه المحتوى، وبدأ أمر جديد؛ عليَّ الآن أن أحاور المختصين، وأستخرج أفضل ما لديهم من معلومات سبق أن تشرّبتها. مقابلة المختصين لم تكن عصيّة، كأني أحادث دكتوري في الجامعة. الأزمة الحقيقية لديّ أتت مع ضيوف السلسلة، الأشخاص غير المختصين، من عاشوا قصة أثّرت الجينات فيها بشكل حاد.

هنا طفحت لديّ أزمة التشكيك الأخلاقي بما أفعل؛ هل سأقبل بأن يبكي الضيف أمامي حتى أخرج بمحتوى؟ وإن سلمني موافقته، فمن يزيل عني تأنيب الضمير؟ فالمقابلات أُجريت مع أشخاص عانوا في حياتهم الكثير؛ منهم من كان مخطوفًا لعشرين سنة، ومن غرقت في محاولات الانتحار، ومن يرغب بأي طريقة أو علاج حتى يرفع يده فقط. كلهم أكرمونا برغبة مشاركة تجاربهم، بغيةً ورجاءً بوضعٍ أفضل صحيًّا في السعودية والوطن العربي عمومًا.

اكتشفت، بعد هذه المراحل، أنَّ أزمتي بدأت فعلًا عند مهمة «كتابة النص». هنا آزرني صديقي الوليد العيسى وأنقذني من تلك الأزمة. أتذكر نقاشاتنا حول مسوّدات النصوص، ورغم كرهي العميق لهذه العملية، إلا أنها كانت ممتعة ومرضية متى ربطت المعلومات بسرد متسق، وللوليد هنا فضلٌ كثيرٌ عليّ.

طيلة سنتين إلا عدة أشهر، و«جينوم» موجودٌ دومًا في عقلي. تنقّلت بين مشاريع مختلفة، وظلَّ «جينوم» حاضرًا، بشكل مباشر أو غير مباشر، في حديثي مع الناس وفي أفكاري العشوائية، وحتى عند مشاهدتي لأي عمل ما. 

والآن شعوري مختلط؛ فرحٌ بنشر أول أفلامه قبل يومين، ومتوتّرٌ لرحيله عن عقلي. 

النشرة السرّية
النشرة السرّية
منثمانيةثمانية

ابق قريبًا من فريق ثمانية، آخر أخبارنا وكواليسنا وتدويناتنا في رسالة خاصة وسرّية جدًا، تصلك في كل أسبوع.