ما الذي قد ينقذنا من التعاسة؟
في أحلك لحظات حياتي، كلما ضاقت علي وحُصرت من جميع الجهات؛ كنت أتمرد على الحياة بكوب قهوة «مزبوط»، ولفة على أُبحر.
أولًا، بداية أسبوع سعيدة.
لا أخفيكم أعزائي قراء النشرة السرية، بأنني ترددت كثيرًا وماطلت حتى آخرِ لحظة في كتابة هذه التدوينة وتسليمها، هذا القدر من التكشف العاطفي مخيف ومرعب، فكما يقول دونالد وينيكات:
ما يُلهم الفنّانين ذلك الاضطراب بين رغبتهم في التواصل ورغبتهم في الاختباء.
لكني بكل شجاعة وسذاجة، أكتب في مدونة الشركة، لأكشف بأني خلال أشهرٍ ماضيةٍ، شعرت بأن جميع الركائز النفسية التي أعتمد عليها بدأت تسقط واحدة تلو الأخرى، وبالتزامن مع ظروفٍ شخصية قاسية وظروف العمل ومواعيد التسليم المتراكمة، بدأت الحياة تفقد بريقها «شوية شوية». أسترق النظر إلى نفسي في المرآة، وأقول في نفسي: «يبدو أنني نسيت أني إنسانة» أفتح جهازي المحمول و«أتنح» بالشاشة لدقيقة كاملة وأقول «مالي نفس»، كلما تغصبت، زاد امتناعي. أتذكر أستاذتي بالجامعة وهي تنصحني وتعاتبني بلهجة ساخرة: «ريفال، مزاج الفنانين هذا بطليه.»
أفكر في نفسي وأقول يبدو أني على مشارف احتراق نفسي أو وظيفي أو شيء من هذا القبيل، يمكن «إجازة» وسفر وجلسة مع الأهل والأصدقاء تعيد إلى نفسي بريقها. أتقدم إلى طلب الإجازة، أرجع من الاجازة، «ميه» ما فيه شيء تغير. أقول في نفسي مرةً أخرى: لا! أنا أحتاج انضباط وأساس لحياتي. أضبط مواعيد نومي وذهابي إلى النادي وأنفض الغبار عن قوائم المهام، وأحاول «أوازن» بين ساعات عملي ووقتي الخاص.
ولكن بعد صراع ومحاولات فاشلة، ما زال هذا الشعور الثقيل يلازمني. فقررت بكل بساطة في لحظة يائسة، أن أستسلم. تركتُ مشاعري تعوّم وتأخذ راحتها، وقلت في نفسي: متى ما قررت تمشي، تمشي. وأدعي «تعدّي» الفترة بأقل ضرر ممكن. تركت المجال لنفسي «أسرح» وأنسى وأتناسى.
وفي يوم عشوائي وبمحض الصدفة، لمحت من شباك السيارة طائر النورس على شاطئ أُبحر، وأتذكرني طفلة على طرف السقالة أغني «طائر النورس حلَّق حلَّق.» وتداهمني الذكريات بغتة، وأنا أنزل إلى البحر، أجمع الأحجار والصدف، وأقنع والدي -بكل ثقة- بأن رغوة الموج «صابون» تنظف الشاطئ من الرواسب، قبل أن أعرف ماهية المد والجزر. ولوهلة.. شعرت بأن الحياة أخف وألطف وأحلى.
كانت تلكَ اللحظة العابرة والذكرى المنسية كافيةً بأن تزيح عن روحي ثقلًا أصارعه منذ شهور. عاهدتُ نفسي من بعدها، بأن أنظر إلى الحياة دومًا بهذه الرومانسية والدهشة، وأن أدعو لنفسي وللآخرين دائمًا بعافية الروح قبل صحة العقل والجسد. بأن أنظر إلى الأشياء وأراها لماهيتها، أن أقاتل في سبيل ألَّا تفقد الأشياء بريقها، وألَّا تسرق مني الحياة بشكلها الحالي شعور الدهشة، وأن تبقى في نظري دائمًا مثيرة وملونة وخلابة.
أنا أعلم يقينًا، بأن الحياة أعقد وأتعس من أن تنقذها ذكرى حالمة. ولكني في أحلك لحظات حياتي، كلما ضاقت علي وحوصرت من جميع الجهات؛ كنت أتمرد على الحياة بكوب قهوة «مزبوط»، ولفة على أُبحر، وصوت محمد عبده يغني بالخلفية «مرني بجدّة تزول عن قلبي الشدة»، وأتأمل البحر كأني أراه لأول مرة. وفي كل مرة تعطيني الحياة سببًا لكرهها، أفزع إلى التمرد عليها، وأقول بيني وبين نفسي «الحياة مش حلوة، إحنا الحلوين.»
ابق قريبًا من فريق ثمانية، آخر أخبارنا وكواليسنا وتدويناتنا في رسالة خاصة وسرّية جدًا، تصلك في كل أسبوع.