هل تصنع المماطلة قصصًا أفضل؟
أخذتْ بعض الحلقات وقتًا أطول من المتوقع لإنتاجها. لكن هذا التأخير أعطاها حياةً جديدة، كبودكاست «احتيال» لاحقًا.
أُصدَم أحيانًا من الطريقة التي يؤثر بها مرور الوقت في القصص التي نظن أننا نعرفها؛ إذ لا يكتفي مرور الزمن بتغييرها، بل يقلبها أحيانًا رأسًا على عقب.
واجهتُ هذه الفكرة قبل مدة عندما توليت مهمة أرشفة ألبومات صور عائلتي، ورفعها على الشبكة لتُصبح متوفرة لكل أفراد العائلة. كنت أظن أن المهمة الصعبة ستكون عملية التحويل من ورقيٍّ إلى رقميٍّ -وقد كانت صعبة فعلًا، ساعاتٍ أمام الطابعة مع كأس شايٍ وبودكاست-، إلا أن ما فاقها صعوبةً كان ترتيب هذه النسخ الرقمية ترتيبًا يساعد على البحث والاستكشاف. فلكل صورة عدة وسوم تصفها: تاريخ التقاطها، مكانها ومناسبتها، أسماء من فيها، وهكذا.
الجزء الأصعب في هذه المهمة أنني كنت كلما تقدمت في الأرشفة، أفكر بوسوم إضافية لصورٍ انتهيت من أرشفتها. فعلى سبيل المثال: استوعبت متأخرًا أن عددًا من إجازاتنا كانت في سيارة الوالد القديمة، «هايلوكس 2006»، وفكرت أنني ربما أود البحث عن هذه الصور بصفة خاصة لاحقًا. بالطريقة نفسها، وبعد أرشفة العديد من الألبومات، استوعبت أنها تقع كلها تحت تصنيف «بيتنا القديم»، وهي فكرة لا أزال أُفاجَأ بها طوال السنوات الماضية.
هذا التصفح المجازي لسنواتي الشخصية وتفرعاتها، يُذكِّرني بالدور الذي يلعبه الوقت في عملي بصفتي صحفيًّا يسرد قصصًا حقيقية.
عندما بدأت هذه المهمة؛ نهاية 2019، كنت أرى مهمتي باختصار أن أبحث عن أشياء حدثت، وأن أعيد سردها للجمهور. كان هذا بودكاست «أشياء غيرتنا»، وكانت هذه الحلقات الأولى من «أصوات». ثم بطبيعة الحال، أخذتْ بعض الحلقات وقتًا أطول من المتوقع لإنتاجها، مثل حلقة الاحتيال المالي، التي بدأتها منتصف 2020. لكن هذا التأخير، بدل أن يقتلها مثلما تُقتَل القصص الصحفية المتأخرة، أعطاها حياةً جديدة، كبودكاست «احتيال» لاحقًا.
كنت أعتقد أنني في نهاية قصةٍ ما، ثم اكتشفت أنني في المنتصف، ومع بعض الوقت تفرّعت هذه القصة ونمت لها أغصان لم أكن لأتخيلها لحظة البداية. وقد حدثت إعادة الموضعة هذه عدة مرّات، بأن تصبح القصص اليسيرة التي عملت عليها أهم وأضخم بعد عدة أشهر من الانتظار والمراقبة.
أُذكِّر نفسي بهذه الفكرة مؤخرًا. بعد أي مقابلةٍ عادية أو بعد عملية بحث أولية، أسأل نفسي: «لمَ العجلة؟ دع هذه الحلقة تنام عدة أشهر». أحيانًا أندم وأُوبِّخ نفسي على هذا النوم، لكن في أحيان أخرى تتحول البذور التي زُرعت دون قصد إلى زهور. كحلقات لم ترَ النور بعدُ، لكنّي أرى أنها اختلفت كليًّا عن المُسوّدات الأولى، وأصبحت أكثر نضجًا ووضوحًا.
هذا التغيير هو المكافأة التي أرجوها في كل قصة أتأخر في إنهائها.
الجدير بالذكر أنني في عملية الأرشفة كنت قد وسمت صوري في الصف السادس بـ «مازن الدب»، كما كانت تشير إليها عائلتي طوال مرحلة مراهقتي. ثم عندما وصلت إلى صوري الحديثة، استوعبت أنني قد أضطر إلى العودة ووسم بقية الصور بـ «مازن النحيف». وبالطبع، ليس بالضرورة أن يعجبني هذا النوع من تغيّر القصص.
ابق قريبًا من فريق ثمانية، آخر أخبارنا وكواليسنا وتدويناتنا في رسالة خاصة وسرّية جدًا، تصلك في كل أسبوع.