فنجان: النسخة 5
وصل فنجان إلى كل مكان. يعرفه الكبير والصغير، الأمير والوزير، الشيخ والغفير. وآن للشعار أن يتغير. فبحثنا عن القيمة والأثر.
أحب البدايات. تنهض قليلًا وتسقط كثيرًا. تصيب أحيانًا، وتخطئ أحيانًا. يقل عدد الأصدقاء، وتقل ساعات الأهل والرخاء. تنام ساعات وتركض أيامًا. حتى تتوقف، فتسأل نفسك، علام كلّ هذا؟ فلا تجد إجابة. ويحاصرك التيه من كل زاوية. ويظهر الأمل من بعيد، يعيد للحلم العافية. فتقف من جديد. وتعاود السقوط ثانية. ولكن لحديث البدايات ساعة أجلها غير مسمّى.
كان فنجان أول الأمر، «بودكاستًا» شخصيًا. أعتقد أني لم أغير تصنيفه حتى اليوم. ما يزال «تدوينًا شخصيًا.» والحلقات القديمة موجودة، كي أذكر نفسي بالبدايات البسيطة. وتكون درسًا للبعض أن البدايات لا تتطلب الكثير. لكنها تحتاج إلى همّة وتطوير مستمرين.
كنت أيقنت أن المحتوى ذا الطابع الشخصي القريب من الناس هو «البودكاست.» وأنّ القرار بأن تبدأ، هو أهم مرحلة في تاريخ أي مشروع جديد.
مع الوقت، غيرت اسم البودكاست من «أبومالح» إلى «فنجان» بخط رديء. حتى أهداني أحد المتابعين تصميم شعار فنجان. راسلني عبر البريد يقول، بتصرف وكما أتذكر: أنت تحب الخط العربي؛ والكوفي هو الخط العربي الأصيل المبني على الخط المدني. فرسمت فنجان بخط كوفي مطوّر، ووضعت خطًا أسفله يعبّر عن الصحن تحت الفنجان 😁.
استخدمت الشعار من حينها. ولم يتغيّر في المحتوى الكثير. إلا أنّي عدت إلى الرياض بعد أن كنت أسجل في أريزونا على السرير. بدأت أسجل بعض الحلقات مع الأصدقاء في مكتب صغير. لم يكن في الحقيقة مكتبًا صغيرًا، بل كان طاولة أخذتها من غرفتي، ونقلتها إلى زاوية في مكتب أحد الأصدقاء.
انتقلت من التسجيل مع الأصدقاء ومن أعرف، إلى التسجيل مع من لا أعرف؛ أشخاص تعرفت عليهم صدفة. أو وجدت لهم على الإنترنت كتابات حلوة. بات الوصف أكثر دقّة، «كل يوم أحد… سنأخذ من كل مذاق رشفة. لا معايير، ولا مواضيع محددة، لكن الأكيد، هنا كثير من المتعة والفائدة.»
مع كلّ ضيف يزيد عدد المستمعين. فلم يكن عدد المستمعين في الحلقات الثلاثين الأولى مجتمعة يتجاوز عدد المستمعين بعد خمس دقائق من نشر أي حلقة لفنجان هذه الأيام. فما الدافع الذي كان يدفعني لتسجيل الحلقات؟ كيف كنت أعتقد أن فنجان سيكون له هذا الحضور العربي؟ لمَ آمنت أن الاستمرارية حينها هي الطريق الوحيد للنجاح؟
وزاد فنجان جماهيره. وكان عند «ثمانية» هدف الوصول إلى الوطن العربي من خليجه إلى محيطه. فكانت هذه مرحلة الانتقال من ضيوف سعوديين، إلى استضافة غير سعوديين. وقد كانت نقلة جديدة نوعية. زادت حصة الجماهير من خارج السعودية إلى 30 في المئة. وهذه النقلة بقدر ما أضافت إلى المكتبة العربية من الحوارات والمعرفة الكثير، إلّا أنها أتعبتني أكثر، أمضّت أيامي، وأقضّت مضجعي في لياليَ.
وصل فنجان إلى كل مكان. يعرفه الكبير والصغير، الأمير والوزير، الشيخ والغفير. وآن للشعار أن يتغير. فبحثنا عن القيمة والأثر؛ وماذا يقدّم فنجان في حقيقة الأمر. وصلنا إلى أنّ قيمة التأثير عالية وطاغية. وهي معيار تعريفي للحلقات الناجحة. فكيف نعبّر عن التأثير في شعار.
الفضل والشكر لكل أحد عمل معي في فنجان منذ البداية الأولى. مئات الرسائل التي دفعتني للاستمرار. عشرات الضيوف الذين لم أكن لأصل إليهم دون الاقتراحات. الفضل والشكر لكل من ساهم في إعداد حلقة، أو في الوصول إلى ضيف، أو في تصوير أو تسجيل أو هندسة وتحسين للصوت. لكل من نسّق مع ضيف، ومن انتقد وحاول التطوير. لكل من استمع إلى حلقة أو شاهدها. والفضل والشكر لأسيل باعبدالله ومعاذ الحربي في التنسيق والعمل وتحمّل مزاجي في قبول هوية فنجان بعد عشرات المحاولات. والفضل والشكر لكل استديو عملنا معه في تصميم هذه الهوية.
بعد هذه السنين. يسألني الكثير، كيف نجح فنجان؟ والحق أني أستطيع ذكر عديد أسباب، ولكل سبب وزنه في هذه المعادلة، إلّا أن توفيق الله وستره في حقيقة الأمر هو السبب. وإلا فإن مسيرتي كلّها أخطاء وحماقات. تارة أقف وأعثر عشرات. وفي محاولتي لتذكر الأخطاء التي يجدر بالمرء تفاديها في مشروعه، أفكر في تلك التي كنت سأغيرها، فأجد أنّي لو استأنفت الأمر من حيث ابتدأ، لاتخذت المسيرة ذاتها، لم أغير منها شيئًا ولم أنكر منها قليلًا أو كثيرًا.
ابق قريبًا من فريق ثمانية، آخر أخبارنا وكواليسنا وتدويناتنا في رسالة خاصة وسرّية جدًا، تصلك في كل أسبوع.